سورة الأعراف - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة} بعد أن استقر بكل من الفريقين القرارُ واطمأنت به الدار {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} أي صُبّوه، وفي دَلالةٌ على أن الجنة فوق النار {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من سائر الأشربةِ ليُلائِمَ الإفاضة، أو من الأطعمة على أن الإفاضةَ عبارةٌ عن الإعطاء بكثرة {قَالُواْ} استئنافٌ مبنيٌّ على السؤال كأنه قيل: فماذا قالوا؟ فقيل: قالوا: {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} أي منعهما منهم منعاً كلياً فلا سبيل إلى ذلك قطعاً {الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا} كتحريم البَحيرة والسائبةَ ونحوِهما والتصديةِ حولَ البيت، واللهوُ صرفُ الهمِّ إلى ما لا يحسُن أن يُصْرفَ إليه، واللعبُ طلبُ الفرحِ بما لا يحسن أن يُطلب {وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا} بزخارفها العاجلةِ {فاليوم ننساهم} نفعل بهم ما يفعل الناسي بالمنسيِّ من عدم الاعتدادِ بهم وتركِهم في النار تركاً كلياً، والفاء في فاليوم فصيحةٌ وقوله تعالى: {كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هذا} في محل النصبِ على أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ، أي ننساهم نسياناً مثلَ نسيانِهم لقاءَ يومِهم هذا حيث لم يُخطِروه ببالهم ولم يعتدّوا له، وقولُه تعالى: {وَمَا كَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ} عطفٌ على ما نسوا أي وكما كانوا منكرين بأنها من عند الله تعالى إنكاراً مستمراً.
{وَلَقَدْ جئناهم بكتاب فصلناه} أي بيّنا معانيَه من العقائد والأحكامِ والمواعظ، والضميرُ للكفرة قاطبةً والمرادُ بالكتاب الجنسُ أو للمعاصِرين منهم والكتابُ هو القرآن {على عِلْمٍ} حالٌ من فاعل فصلناه أي عالمين بوجه تفصيلِه حتى جاء حكيماً أو من مفعوله أي مشتملاً على علم كثير، وقرئ {فضلناه} أي على سائر الكتب عالمين بفضله {هُدًى وَرَحْمَةً} حال من المفعول {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم المغتنمون لآثاره المقتبسون من أنواره.


{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي ما ينتظر هؤلاءِ الكفرةُ بعدم إيمانِهم به إلا ما يؤول إليه أمرُه من تبيّن صدقِه بظهور ما أخبر به من الوعد والوعيد {يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ} وهو يومُ القيامة {يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ} أي تركوه ترْكَ المنسيِّ من قبل إتيانِ تأويلِه {قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بالحق} أي قد تبين أنهم قد جاءوا بالحق {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا} اليوم ويدفعوا عنا العذاب {أَوْ نُرَدُّ} أي هل نرد إلى الدنيا وقرئ بالنصب عطفاً على فيشفعوا أو لأن أو بمعنى إلى أن، فعلى الأول المسؤولُ أحدُ الأمرين، إما الشفاعةُ الدفع للعذاب أو الرد إلى الدنيا وعلى الثاني أن يكون لهم شفعاءُ إما لأحد الأمرين أو لأمر واحد هو الرد {فَنَعْمَلَ} بالنصب على أنه جواب الاستفهام الثاني وقرئ بالرفع أي فنحن نعمل {غَيْرَ الذى كُنَّا نَعْمَلُ} أي في الدنيا {قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} بصرف أعمارِهم التي هي رأسُ مالِهم إلى الكفر والمعاصي {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي ظهر بطلانُ ما كانوا يفترونه من أن الأصنامَ شركاءُ الله تعالى وشفعاؤهم يوم القيامة.
{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والارض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} شروعٌ في بيان مبدأ الفطرةِ إثرَ بيانِ معادِ الكفَرة أي إن خالقَكم ومالكَكم الذي خلق الأجرامَ العلوية والسفليةَ في ستة أوقات كقوله تعالى: {وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} أو في مقدار ستةِ أيامٍ فإن المتعارفَ أن اليومَ زمانُ طلوعِ الشمسِ إلى غروبها، ولم تكن هي حينئذ وفي خلق الأشياء مدرجاً مع القدرة على إبداعها دفعةُ دليلٍ على الاختيار واعتبارٌ للنُظّار وحثٌّ على التأني في الأمور {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} أي استوى أمرُه واستولى وعن أصحابنا أن الاستواءَ على العرش صفة الله تعالى بلا كيف والمعنى أنه تعالى استوى على العرش على الوجه الذي عناه منزهاً عن الاستقرار والتمكن، والعرشُ الجسم المحيط بسائر الأجسام سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملِك فإن الأمورَ والتدابير تنزِل منه وقيل: الملك.
{يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارَ} أي يغطّيه به ولم يُذكر العكسُ للعلم به أو لأن اللفظَ يحتملهما ولذلك قرئ بنصب الليلَ ورفع النهار وقرئ بالتشديد للدلالة على التكرار {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي يعقُبه سريعاً كالطالب له لا يفصل بينهما شيء، والحثيثُ فعيل من الحث وهو صفةُ مصدرٍ محذوفٍ، أو حال من الفاعل أو من المفعول بمعنى حاثاً أو محثوثاً {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} أي خلقهن حال كونهِن مسخراتٍ بقضائه وتصريفِه، وقرئ {كلُّها} بالرفع على الابتداء والخبر {أَلاَ لَهُ الخلق والامر} فإنه الموجدَ للكل والمتصرِّفَ فيه على الإطلاق {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} أي تعالى بالوحدانية في الألوهية وتعظّم بالتفرد في الربوبية.
وتحقيقُ الآية الكريمةِ والله تعالى أعلم أن الكفرةَ كانوا كانوا متخذين أرباباً فبيّن لهم أن المستحِقَّ للربوبية واحدٌ هو الله تعالى لأنه الذي له الخلقُ والأمرُ فإنه تعالى خلق العالمَ على ترتيب قويمٍ وتدبيرٍ حكيم فأبدع الأفلاكَ ثم زينها بالشمس والقمر والنجومِ كما أشار إليه بقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات فِى يَوْمَيْنِ} وعمَد إلى الأجرام السفليةِ فخلق جسماً قابلاً للصور المتبدّلةِ والهيئاتِ المختلفة ثم قسمها لصور نوعيةٍ متباينةِ الآثار والأفعالِ وأشار إليه بقوله تعالى: {خَلَقَ الارض فِى يَوْمَيْنِ} أي ما في جهة السُّفلِ في يومين ثم أنشأ أنواعَ المواليدِ الثلاثةِ بتركيب موادِّها أولاً وتصويرِها ثانياً كما قال بعد قوله تعالى: {خَلَقَ الارض فِى يَوْمَيْنِ} {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ مِن فَوْقِهَا وبارك فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أي مع اليومين الأولين لِما فُصّل في سورة السجدة ثم لمّا تم له عالمُ المُلك عمَد إلى تدبيره كالملك الجالس على سريره فدبر الأمرَ من السماء إلى الأرض بتحريك الأفلاكِ وتسيير الكواكبِ وتكويرِ الليالي والأيامِ، ثم صرّح بما هو فذلكةُ التقريرِ ونتيجتُه فقال تعالى: {أَلاَ لَهُ الخلق والامر تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} ثم أمر بأن يدعوُه مخلِصين متذلِّلين فقال:


{ادعوا رَبَّكُمْ} الذي قد عَرَفتم شؤونَه الجليلة {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} أي ذوي تضرّعٍ وخُفية فإن الإخفاءَ دليلُ الإخلاص {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} أي لا يحب دعاءَ المجاوزين لما أُمروا به في كل شيء، فيدخُل فيه الاعتداءُ في الدعاء دخولاً أولياً، وقد نُبِّه به على أن الداعيَ يجب أن لا يطلُب ما لا يليق به كرتبة الأنبياءِ والصعودِ إلى السماء، وقيل: هو الصياحُ في الدعاء والإسهابُ فيه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «سيكونُ قومٌ يعتدون في الدعاء وحسْبُ المرءِ أن يقول: اللهم إني أسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قول وعملٍ، وأعوذُ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل ثم قرأ {إنَّهُ لا يحبُّ المعتدين}».
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الارض} بالكفر والمعاصي {بَعْدَ إصلاحها} ببعث الأنبياء عليهم السلام وشرْعِ الأحكام {وادعوه خَوْفًا وَطَمَعًا} أي ذوي خوفٍ نظراً لقصور أعمالِكم وعدمِ استخقاقِكم، وطمَعٍ نظراً إلى سَعة رحمتِه ووفورِ فضلِه وإحسانِه {إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين} في كل شيء، ومن الإحسان في الدعاء أن يكون مقروناً بالخوف والطمع، وتذكيرُ قريبٌ لأن الرحمةَ بمعنى الرحم أو لأنه صفةٌ لمحذوف أي أمرٌ قريبٌ أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول أو الذي هو مصدر كالنقيض والصهيل، أو للفرق بين القريب من النسَب والقريب من غيره أو لاكتسابه التذكيرَ من المضاف إليه كما أن المضافَ يكتسب التأنيثَ من المضاف إليه.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11